قديما قالو


البناء :ليلة الزفاف



يراد بها ابتداء الحياة الزوجية الكاملة بين الرجل والمرأة، بكل ما تحمله هذه الحياة من معان طيبة، وهي حياة كلها عطف ومحبة ومشاركة وجدانية وتعاون وسكينة ومودة ورحمة. وهي حياة يتمتَّع فيها كل من الزوجين بالآخر، وبها يبدأ الحلم بالذرية الصالحة التي تعمر الكون، وتخدم الإسلام. 
وقد حرص الإسلام أن يكون اجتماع الزوجين لأول مرة في غرفة واحدة لقاء خير وبركة، ولذلك فقد رسم الإطار العام الذي يرشدهما في الحياة الزوجية، وصوَّر لكل منهما حقوقه وواجباته، وما له وما عليه، وعلى الرجل أن يدعو لزوجته بالخير والبركة. قال صلى الله عليه وسلم: (إذا تزوّج أحدكم امرأة فليأخذ بناصيتها (أي يضع يده على مقدمة رأسها) ويسمِّ الله عز وجل، ولْيدع بالبركة، وليقل: (اللهم إني أسألك من خيرها، وخير ما جبلتَها (أي: فطرتَها) عليه. وأعوذ بك من شرها، وشر ما جبلتها عليه) [أبو داود].
ويستحب أن يبدأ الزوجان حياتهما الزوجية بركعتين، فقد أوصى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- رجلا تزوج بكرًا، فقال له : إذا أتتْك فأمرها أن تصلى وراءك ركعتين، وقل: اللهم بارك لي في أهلي، وبارك لهم فيَّ، اللهم اجمع بيننا ما جمعتَ بخير، وفرق بيننا إذا فرقت بخير) [الطبراني، وابن أبى شيبة].
أفضل أوقات الزواج: 
يستحب التزويج في شهر شوال والدخول فيه، عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: تزوَّجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوَّال، وبنى بي في شوَّال، فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده منى. وكانت عائشة -رضي اللَّه عنها- تستحب أن تدخل نساءها في شوَّال. 
[مسلم، وأبو داود، والنسائي] .
ويستحب البناء في يوم الجمعة؛ طلبًا للتبرُّك بهذا اليوم، وذكرًا لما ورد في فضله. قال صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعتْ عليه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه أدخِل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة) [أحمد، ومسلم، والترمذي] .
ويجوز البناء في أي يوم من أيام الأسبوع. وفي أية ساعة من ساعات اليوم، ويستحب البناء بالنهار، فقد بنى النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر نسائه في النهار، فعن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم فأتتْنيِ أمِّي فأدخلتْني الدار، فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى. [البخاري]. ويجوز البناء بالليل؛ فقد بنى النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة صفية بنت حُيى ليلاً.
ويجب أن تكون الأم أول من تستشار لتحديد يوم البناء؛ لتتفادى أيام الحيض، وحتى لا تسبب حرجًا لزوج ابنتها، فقد لا يملك نفسه فيجامعها وهي حائض، وهذا حرام، ويحسن أن لا يكون البناء في شهر رمضان أو قبله بمدة يسيرة؛ كي يستطيع كل من الزوجين أن يستمتع بالآخر فترة كافية قبل مجيء شهر رمضان؛ وحتى لا يقعا في محظور في نهاره.
السَّحْر في ليلة الزفاف: 
السحر باب من أبواب الفتنة، يفتحه الساحر على نفسه، ينتهي به إلى جهنم وبئس المصير، وقد يسعى بعض الناس لإيذاء بعضهم بعضًا، فيستأجرون ساحرًا ليسحر هذا أو ذاك ليلة زفافه؛ لشحناء بينهم، أو لنفع مادي، أو غير ذلك. وأكثر ما يكون السحر بتراتيل وترانيم وعقد وغير ذلك، وفي بعض المجتمعات يكثر سحر الرجل أو المرأة في ليلة الزفاف، فيصاب الرجل بالعجز عن جماع زوجته أو تصاب المرأة بالتغوير؛ فتبدو المرأة بلا فرج، أو لا تستطيع أن تباعد بين رجليها، أو تصاب بالبرود الجنسي، وعدم الرغبة في الزوج، وقد تنفر منه وتفزع إذا اقترب منها، وتلك أضرار بالغة إذ تُصيب بالزوجين 
بالعنت والمشقة.
وكل ذلك من عمل الشيطان الذي هو عدو لكل مسلم ومسلمة، وقد أمرنا اللَّه أن نتخذه عدوًّا، وأرشدنا إلى كيفية التغلب عليه، وإلحاق الهزيمة به وبأعوانه. فالمسلمة تكثر من ذكر اللَّه على كل حال، وتعتاد تلاوة القرآن، وقراءة أذكار الصباح والمساء، والمحافظة على سائر العبادات، فهذا يحصنها من الشيطان، فالشياطين لا تعيش في مكان يذكر فيه اسم اللَّه تعالى.
فإذا غفلتْ المسلمة عن ذلك، كانت عُرضْة لوسوسة الشيطان وإغوائه وإضلاله، فالشياطين تأوي إلى القلوب التي هربت من ذكر اللَّه تعالى، فإذا حدث أن أصيبتْ الزوجة أو زوجها بمثل هذا السحر، فلم يتمكنا من الجماع، فعليهما أن يتصرفا بوحي من إيمانهما بهدوء وسكينة، فيسلكا سبل العلاج الصحيحة التي توافق الشرع ولا تخالفه، وأيسرها أن يتبع الزوجان خطوات الطريقة التالية: 
- يدهن كل من الزوجين فرجه بالمسك.
- ثم يقرآن هذه الأذكار: الفاتحة، وآية الكرسي ( ثلاث مرات)، وآخر ثلاث آيات من سورة البقرة (ثلاث مرات)، وسورة الزلزلة (ثلاث مرات)، وسورة الإخلاص (ثلاث مرات)، والمعوذتين (ثلاث مرات).
- ويقولان هذا الدعاء: (اللهم جَنِّبْنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا).
- ثم يصلِّيان صلاة (الحاجة).
- وعليهما أن يكررا هذه الطريقة حتى يتم الشفاء، وعليهما أن يستعينا على ذلك بالصبر والصلاة.
ولا مانع من الذهاب إلى من عرفوا بعلاج مثل هذا السِّحر من أهل الصلاح والتقوى من المسلمين، وليحذر الزوجان من الذهاب إلى ساحر لأجل ذلك، فقد نهي الشرع عن هذا، علاوة على أنه قد يكون بابًا للاحتيال والنصب، قال صلى الله عليه وسلم : (من أتى عرَّافًا أو كاهنًا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد)_[أحمد والحاكم].
وقد تذهب بعض النساء إلى ساحر؛ ليصنع لها حجابًا يحبب زوجها إليها، ويقربه منها فلا يؤذيها، وهذا أمر لا يرضاه الله ورسوله. قال صلى الله عليه وسلم: (إن الرقى والتمائم والتِّوَلَة شرك) [أحمد، وأبوداود، والحاكم].
والرقى المقصودة هنا: هي الرقى غير الشرعية.
والتمائم: ما يعلَّق في البدن من خرز وغيره؛ لدفع العين الحسد.
والتِّولة: ما يحبب المرأة إلى زوجها من السحر وغيره.

اللقاء الأول بـين الزوجين: 
ليلة الزفاف هي الليلة الأولي في بيت الزوجية، وهي الحدُّ الفاصل بين مرحلتي: العزوبة والحياة الزوجية، إنها ليلة حافلة بالطاعات والخيرات والبركات، كما أنها ليلة مليئة بالمباحات الطيبات والمتع الحلال، ليلة إيمانية لها سننها وآدابها الشرعية التي يحرص الزوجان على اتباعها والعمل بها، كي تتوفر لهما السعادة والسرور.
وفي تلك الليلة قد يواجه العروسان بعض المشكلات التي تنشأ عن عدم خبرتهما بالمعاشرة الزوجية، أو للرهبة من الموقف الذي لم يجرباه من قبل، أو للخوف من الفشل في الاتصال ببعضهما البعض في أول ليلة؛ فقد يصاب الزوج بنوع من البرود الجنسي؛ لذا يجب أن لا يكون دور العروس سلبيًّا في مواجهة هذه المشكلة، فالزوج يريد من زوجته أن تكون إيجابيةً قادرة على تفهُّم مشاعره، فعليها أن تحيط زوجها بالحنان الذي يعيد إليه ثقته في نفسه، ويدفع عنه رهبة الموقف.
فللزوجة دور مهم في إنجاح أول ليلة من الزواج، ولذلك أثره على مستقبل العلاقة العاطفية والجنسيَّة فيما بعد، وعلى الزوجة أن تتجاوب مع زوجها في لقائهما الأول بعد البناء، فهذا مما يجلب المتعة والسعادة لها ولزوجها .
وقد يعجز الزوج عن فضِّ غشاء البكارة لدى الزوجة في الليلة الأولى، وهذا أمر طبيعي، فهناك حالات لا يتم فيها فض غشاء البكارة إلا بعد ليلة أو ليلتين أو أكثر، فقد يكون غشاء البكارة من النوع المطَّاطيّ، وذلك أمر لا يعوق العملية الجنسية، ولكن يجب على الزوجة أن تكتم هذا الأمر، وتتحلى بالصبر والتعاون مع زوجها لإتمام ذلك، وإذا طالت المدة، فيجب استشارة الطبيبة المسلمة الثقة؛ لفضِّه جراحيًّا، وهذا أمر بسيط لا يدعو إلى الخوف أو الوجل.
وقد يسبب تمزق غشاء البكارة لدى بعض الزوجات جرحًا بسيطًا، فعلى الزوج أن يساعد زوجته حتى تخلد إلى الراحة، وليؤجل إتيانها حتى يلتئم جرحها، وإلا سبَّب لها نوعًا من الضيق، وربما ترك لديها انطباعًا بوحشية العملية الجنسية مما قد يصيبها بالبرود والاشمئزاز من هذه العملية الفطرية.
وقد تشعر الزوجة بألم أو ضيق أثناء المرات الأولى للجماع، وقد ينتج هذا الألم عن التهاب في المجرى التناسلي لها، أو لضيق في موضع الجماع، أو لشدة حساسيتها، أو لقسوة الزوج وجهله بهذا الأمر؛ فعلى الزوجة أن تطلب من زوجها أن يكون رقيقًا رفيقًا بها، دون أن تخدش كبرياءه، أو تجرح مشاعره.
وعلى الرجل أن يداعب زوجته قبل أن يجامعها، وعلى الرجل أن يحفظ فرْجه إلا عن زوجته، وكذلك على المرأة أن تحفظ فرجها إلا عن زوجها قال تعالى : {والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} [المؤمنون: 5-6].
وجاء أحد الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي اللَّه. عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: (احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكتْ يمينك). قال: يا رسول اللَّه. إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: (إن استطعت ألا يراها أحد فلا يراها)_[الترمذي] .
فإذا أراد الزوج أن يأتي زوجته، فلْيَدْعُ بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: (لو أنَّ أحدكم إذا أتى أهله قال: باسم اللَّه. اللهم جنبنا الشيطان، وجنِّب الشيطان مارزقتنا، فإن قُدِّر بينهما في ذلك ولد، لن يضرَّ ذلك الولدَ الشيطانُ أبدًا) [متفق عليه] .
وللرجل أن يأتي زوجته على أية هيئة تحقق لهما الاستمتاع واللذة، مادام يجامعها في قُبُلها. قال تعالى : {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} 
[البقرة: 223] .
وقد كانت اليهود على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تزعم أن الرجل إذا أتى زوجته من دبرها في قبلها؛ جاء الولد أحول، وكان الأنصار يتبعون اليهود في هذا، فأنزل اللَّه تعالى قوله : {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} [البقرة: 223]. أما إتيان الزوجة في دبرها، فذلك أمر حرَّمه الشرع، ولعن فاعله، قال صلى الله عليه وسلم: (ملعون من أتى امرأته في دبرها) 
[أحمد، وأصحاب السنن].
فإذا قضى الرجل حاجته من زوجته فلا ينـزع (أي: لا يخرج فرجه من فرجها)، وليتمهل حتى تقضي حاجتها من الاستمتاع؛ فربما تأخر إنزالها عن زوجها، فيهيج شهوتها ويؤذيها. وقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعْزَل عن الحُرَّة إلا بإذنها [ابن ماجه].
ولا يجوز لأي من الزوجين أن يحدِّث أحدًا بما دار بينهما من أمر الجماع. قال صلى الله عليه وسلم: (إن من أشرِّ الناس منزلة يوم القيامة: الرجل يُفضي إلى امرأته، وتُفضي إليه، ثم ينشر سرَّها)_[أحمد، ومسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي ينشر سرِّ امرأته: (هل تدرون ما مثل من فعل هذا؟ إن مثل من فعل ذلك: مثل شيطان وشيطانة، لقى أحدهما صاحبه بالسِّكَّة (الطريق)، فقضى حاجته منها، والناس ينظرون إليه) [أحمد، وأبوداود] .
وليس للزوجة أن تعتقد فشل زواجها لمجرد أن احتياجاتها الجنسية لا تتوافق مع احتياجات زوجها في الأيام أو الأشهر الأولى من الزواج؛ لأن التوافق يحتاج إلى وقت كافٍ، ولكي تحصل الزوجة على الحب؛ فعليها أن تمنح زوجها مزيدًا من الحُبّ، فالحب يولِّد الحُبَّ، والأنانية تدمر.
وعليها أن تتعرَّف على احتياجات زوجها، ومطالبه ومشاعره، وعليها أن تُظهر حبها له واعتزازها وإعجابها به، وأن تثني على أخلاقه الحميدة، وتمدحه بما هو أهله، وأن تتغاضى عن عيوبه، وتتغافل عن هفواته، وعليها أن تحدثه عن أحلامها وأمانيها، وتشاركه أفكاره ومشاعره .
شهر العسل: 
اعتاد الناس أن يسموا الأيام الأولى من الزواج بشهر العسل، ومن الإسلام أن تجعل الزوجة أيام زواجها كلها عسلا وشهدًا، ومن الناس من تستمر أيام عسله لمدة يوم أو أسبوع أو شهر أو أكثر بقليل، بحسب مدى الانسجام العاطفي بين الزوجين، ولا يهم كثيرًا أن يقبع الزوجان في بيتهما، أو يكثران من التنزُّه. المهم أن ينعما بألفة ومودة ورحمة، وأن يستشعرا نعمة اللَّه عليهما، وأن تظللهما التقوى من أول أيام حياتهما.
ويجب أن تكون تلك الفترة مليئة بالسعادة والذكريات الجميلة، ويجب على المرأة ألا تثقل على زوجها في هذه الفترة، فقد أثقلته أعباء الزواج، وألا ينظر الزوج أو الزوجة إلى غيرهما من الأزواج، وألا يفعلا إلا ما يناسبهما، وما يتفق مع إمكانياتهما وظروفهما، ولا يخالف تعاليم دينهما، كما يجب ألا يترخصا في حياتهما في هذه الفترة، فلا يهملان العبادات، ولا يتنزهان في مكان محرَّم، ولا يتسليان بممنوع.
 

Membres